الرئيسية / أرشيف / حوار لمحمد قاسم الحداد مع بثينة العيسى عن ورشة السُّهروردي: مواجهة الهيمنة بالحجة
الشاعر الكويتي محمد قاسم الحداد
الشاعر الكويتي محمد قاسم الحداد

حوار لمحمد قاسم الحداد مع بثينة العيسى عن ورشة السُّهروردي: مواجهة الهيمنة بالحجة

حوار لمحمد قاسم الحداد مع بثينة العيسى عن ورشة السُّهروردي: مواجهة الهيمنة بالحجة

خاص takarir.net

يعيد موقع takarir.net وبالتعاون مع “ورشة السهروردي الفلسفية” ومؤسسها ومديرها الاديب والمفكر الكويتي محمد عبدالله السعيد، نشر اخبار ونشاطات الورشة التي وردت في مختلف الوسائل الاعلامية الكويتية والعربية، وذلك في محاولة لإستعادة “ارشيف” الورشة منذ انطلاقتها في العام 2003.
وهذا النص منشور في مدونة “معابر السورية” وهو كناية عن حوار اجرته الكاتبة والروائية الكويتية بثينة العيسى مع الشاعر الكويتي محمد قاسم الحداد احد اعضاء ورشة السهروري المؤسيين. وتطرق الحوار الى قضايا فكرية عدة ومنها تأسيس الورشة.

وهذا نص الحوار كاملاً:

الشاعر محمد قاسم الحداد – مؤمنًا بالمسئولية، بالعمل الجماعي، بالبحث، بالمساءلة، جانحًا صوب جديد الكتابة، شكلاً وضمنًا، مخلخِلاً مفاهيمَنا السائدة/المسيَّدة حول الحرية، حول الثقافة، كآلية تتجاوز شكلانية المصطلح إلى إرادة التأثير – هذا اللقاء معه، ليس بصفته تجربة شابة، ولا بمناسبة إصداره الفطم والكتابة، ولا لأنه عضو في “رابطة الأدباء”، بل لأنه – في بساطة – إمكانيةٌ تتجاوَز إنجازاتِها.

من هذا المنطلق، لا يهدف هذا اللقاء إلى التعريف بوجهٍ جديد، بل بفكرٍ جديد، بأسئلة ذات قيمة معرفية ونقدية، ربما تكون فرصةً ملائمةً نقيم عِبْرَها علاقةً “نقدية” مع ذواتنا، مع العالم، ومع الكتابة.

“الكشفُ لثمُ الكون للعقلِ المفكِّر” مقبوس من كتابك الأول اسمي. لماذا “عقل” المفكِّر، وليس “قلب” المفكر؟ وهل من مسئوليات الشاعر أن يكون “مفكرًا”؟ وهل تعتقد بكون الفكر هو المادة الخام للمادة الإبداعية؟

في حالة الكشف في الشعر، وقتَ تظهر لنا آفاقٌ جديدة كانت خافية عنَّا، وإمكانات للُّغة لم نعهدها من قبل، يغمرنا الشعورُ بأن الكون كلَّه يُنعِم علينا بشيء من الرضا ويُظهِر وجهَه بقسماته الحانية ملتفتًا تجاه مجهودنا. إنها من أشد اللحظات وقْعًا على النفس حين يتوحد العقل والقلب تحت نور الأصالة – ذاك النور الذي لا يسطع إلا بالبحث الجاد.

نعم، من مسؤوليات الشاعر أن يتفكر: فهو، إن أراد الولوج في عالم الشعر، ليس له أن يبخل بشيء من طاقاته أو إمكاناته. ومن أهم إمكانات الإنسان، كما نعلم، قدرته على إعمال العقل. إن على الشاعر أن يعطي ذاتَه كلَّها للشعر قبل أن يطالب الأفكار والأشياء بأن تُظهِر جمالَها وإمكاناتِها. إن سلَّمنا بهذا – بإعطاء أنفسنا كلِّيةً للشعر – يصبح الولوج من باب الفكر إلى الأشياء منطقيًّا، إن لم يكن أوسع وأزْيَن ما سنطرق من الأبواب، كون إعمال العقل، كما أسلفت، أحد أغلى قدرات ابن آدم.

كيف وجدتَ أصداءَ القرَّاء على كتابك الأول اسمي؟

جيدة، والحمد لله… إني أرى في المطبوع الأول اسمي تجربةً حاولت فيها إعلان رغبتي في السير على الحبل الخطر الرفيع. إنها محاولة للتصالح مع منبع اللغة لإفراز نصٍّ حي. بالطبع، لم تخلُ التجربة من عيوب الإصدار الأول، خصوصًا أن الخطوات التي حاولت أخذها هي في أرض بكر – وإنْ على الأقل في محيطي المباشر. لم أتوقع قط اهتمامًا جماهيريًّا بنصٍّ مُخاطِر، وخاصة حين يكون الإصدار الأول للكاتب. لكنْ بالفعل هذا ما حصل، مع العلم أن النص قد حاز قبل طباعته على الجائزة الثانية في مسابقة “منتدى المبدعين”.

نص اسمي كان خطوة أحتاج إليها للتقدم. ويكفي أنه النص الذي عرَّف بي إلى الجمهور الكريم وإلى أعضاء “ورشة السهروردي”. كما أنه قد لاقى اهتمامًا من الأصدقاء الذين أسهموا في إثراء التجربة لي بطرحهم أسئلةً مفيدةً جدًّا ساعدتْني على تعميق علاقتي بالشعر. الحمد لله، الأصداء جيدة جدًّا – والدليل على هذا السؤالان اللذان طرحتِهما عليَّ الآن.

أنت تؤمن بضرورة العمل الجماعي من أجل بناء حركة ثقافية وفكرية مؤثرة. إلى أيِّ حدٍّ ترى أن “ورشة السهروردي” تنجح في مساعيها؟ وما هي أهدافكم في “الورشة”؟

فعلا أنا مؤمن بأهمية العمل الجماعي. إجمالاً، إن ما نراه على ساحة الإبداع الشبابي – للأسف! – هو بعض من الاجتهادات الفردية التي لا ترقى إلى مستوى المشروع الثقافي، لا تنظيميًّا ولا فكريًّا. ما يُحسَب لصالح الشباب في هذا الأمر أن هذا الوضع ليس بالجديد على الساحة المحلِّية، التي هي مستقاة من وضع مختلف جدًّا عن الوضع الراهن. لكن علينا – كشباب من أبناء هذا العصر – أن نعي مقدار الاهتمام المتعاظم عالميًّا بآليات الإنتاج التي تحاول جاهدةً كسر قيد مقولات “أوهام التحرر” بالاتجاه نحو الحرية الحق – تلك المتمثِّلة في اختيار المشروع عن وعي بآليات عمله وقواعده وضوابطه.

إن مشروع “ورشة السهروردي” هو مشروع إقامة ورش عمل لها هدف محدد، كإصدار كتاب، مثلاً، يسائل قضيةً محددةً – وهذا ما قد تمَّ بالفعل. الورش متوسطة الأمد، تمتد على فترة ما يقارب السنتين من العمل المجدول تجاه الهدف. وأجد أن المرحلة السابقة التي اختُتِمَتْ بكتاب الفطم والكتابة كانت – بتوفيق من الله – ناجحةً جدًّا؛ ونستطيع تلمُّس نجاح الورشة في أروقة “الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية”، حيث نلاقي اهتمامًا منقطع النظير من قبل الفنانين الشباب.

العمل مع مجموعة من الأشخاص، ألا يوجِّه محورَ النصِّ سلفًا إلى اتجاه معيَّن ومخصَّص، ربما لا يتوافق مع الاتجاه الذي يريده المبدع منفردًا؟

بدايةً، علينا أن نعي أن العمل الجماعي، محطَّ النقاش في حوارنا هذا، هو عمل تطوعي واختيار حر يتم بمحض الإرادة. إن قرار العمل ضمن مجموعة لفترة ليست بقصيرة قرار ليس بالهين إطلاقًا – ولكن ما هي البدائل؟ إننا، حين نتكلم عن حرية المبدع الفرد، نتناسى أنه، شاء أم أبى، جزء من منظومة تؤثر فيه وفي قراراته ورؤاه. فالسؤال الذي يجب أن نطرحه هنا هو: هل نحن حقًّا أحرار بفرديتنا تلك، المبنية على مقولات غير مدروسة، في وسط يردِّد دون أن يشرح – والأدهى – دون أن يتساءل؟! إن العمل الجاد ضمن مجموعة هو ما يضمن، إلى حدٍّ ما، نوعًا من إمكانية خلق وسط غنيٍّ يتم فيه تداوُل الأفكار ومساءلتُها في سبيل اكتشاف الحرية الحق.

لماذا “السهروردي” تحديدًا؟ وإلامَ يرمز؟

يُعتبَر شهاب الدين يحيى السهروردي [المقتول] رمزًا من الرموز الإسلامية والشرقية المدفونة في مكتباتنا. حين اجتمعنا كأعضاء مع مشرف الورشة، الأستاذ محمد عبد الله السعيد، كان أحد الأسئلة الأكثر مركزية عندنا هو: هل يفتقر الموروث الإسلامي والشرقي إلى ما له القدرة على إنارة الراهن؟ إننا مطالبون، كأحرار، بكشف أقنعة الزيف التي تتسلَّل بين أفكارنا، دافعةً بنا نحو التطرف والغلوِّ في الدفاع عن وهم. يرمز السهروردي إلى إمكانية وقوف الإنسان الأعزل أمام القوى المهيمنة بالحجة والجدة؛ وهو رمز من موروثنا أجده ذا إمكانيات عظيمة في وقتنا الراهن.

في لقاءٍ إذاعيٍّ قلتَ إن ما نجده على الساحة الثقافية هو محاولات فردية وغياب واضح للمشاريع الثقافية. ماذا تقصد بـ”المشاريع الثقافية”؟

حين نتكلم عن أيِّ مشروع تنموي، علينا أن نفرِّق بين مفهومين أساسين هما: النمو في الحجم، والتحسُّن. يكاد كلُّ تنظير للتنمية أن يؤكد على أهمية أن تؤدي الفعاليات التنموية إلى تحسُّن مستمر؛ وإلا لن يكون النمو في الحجم ذا فائدة تُذكَر، بل قد يتحول إلى عبء ذي أضرار جسيمة.

إننا لسنا في حاجة إلى فعاليات تُبقي الوضعَ كما هو عليه من ناحية الجودة، أو تلك التي هدفها إشباع الحدِّ الأدنى من الاحتياجات. ما نجده على الساحة هو تفاعلات اجتماعية بسيطة ذات طابع احتفاليٍّ، تُطرَح على أنها “أنشطة ثقافية” – إنْ لم تكن هي “الثقافة” ذاتها! إننا لسنا في حاجة إلى الاحتفاء بالمنتَج عن طريق نشر الإعلانات وحشد أمسيات التصفيق، بل نحن في حاجة إلى خطط تضع “الاستدامة” في الإنتاج نصبَ أعينها، مسخرةً له الإمكانات. إن الثقافة ليست تكديسًا لمعلومات متفرقة على أرفف الذهن، بل هي القدرة على “تدوير” المشكلات الطارئة في سبيل الخلوص إلى حلول فعالة ومبتكَرة. وهذا لا يحدث على نطاق مؤثر إلا بتكاتف الجهود.

كيف تنظر إلى الحركة النقدية داخل الكويت؟

لا يختلف النقد عن غيره من أوجُه الإبداع في تطلُّبه للسعي الدءوب ضمن مشروع جاد. إن أدوات النقد لا تورَّث ولا تُكتسَب بالأقدمية! وإني متفائل بمستقبل الحركة النقدية، في حال لو تسعى قوى المجتمع إلى بثِّ روح العمل المشترك بين أوساط الشباب وإلى دعم فكرة أن تفرز هذه الشريحة نقاد المستقبل وقيادييه ومبدعيه.

كيف تقيِّم فاعلية المؤسَّسات الثقافية الرسمية في الكويت، كـ”رابطة الأدباء”، “جمعية الفنون التشكيلية”، “المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب”؟

في تقييم فاعلية مؤسَّساتٍ تتعامل مع الثقافة، علينا ألا نغفل برهة عن فكرة أنه ليس للثقافة شكل ثابت، إنما هي الآلية التي تأخذنا نحو شكل أكثر قدرة على التعامل مع الراهن والمستجد في هذا العالم السريع التطور. فالفاعلية الثقافية لأية مؤسَّسة، سواء كانت رسمية أم لا، مرهونة بسعيها إلى تحفيز العقول وصولاً إلى إمكاناتها القصوى. كما أن الفاعلية مرتبطة بوجود العناصر الشابة ذات الطاقة والحيوية. إنها حقًّا لممَّا يثلج الصدر رؤية الشباب الرزين والمتحمس في “جمعية الفنون التشكيلية” وفي أروقة “رابطة الأدباء”؛ لكنهم، من وجهة نظري، في حاجة إلى دعم أكبر.

إن الأمسيات والفعاليات الرسمية في الدولة هي، في غالبها، أمسيات احتفالية ومناسبات للقاء الأصدقاء والتعارف؛ وهي، وإن كانت مبهجة ومرحة، إلا أنها بعيدة كلَّ البعد عن تقديم دعم معرفي للشاب الطامح إلى التطور ثقافيًّا. إني لآلم حقًّا عند معرفتي باستقدام الدولة، عن طريق مؤسَّساتها، كـ”المجلس الوطني”، لفنانين ومثقفين عالميين من دون أن تخطط هذه المؤسَّسات لجمع هؤلاء الفنانين بالشباب الكويتي في إطار جلسات جادة ومطولة تغنيهم وترفع من حصيلتهم. فمثل هذا النوع من الاحتكاك هو مما يمنح الشباب فرصة جيدة للتطور في الاتجاه الصحيح. إن مؤسَّسات الدولة خَدَمية في المقام الأول، وعليها أن توجِد البيئة والبنية التحتية اللازمتين لدعم المواطن، لا أن تتلهى بالبهرجة والاحتفاليات!

ما هي علاقة “الفَطْم” بالكتابة؟

كما أن “الفطم” تعبير عن علاقة نضجت، فهو أيضا تعبير عن بداية حياة جديدة. وهذه الحالة هي بالفعل ما يحدث للكاتب بعد إتمامه لكتاب يراه ذا قيمة: يشعر أنه يحيا عِبْرَ العصور، متصالحًا مع كلٍّ من التاريخ والحاضر، وقادرًا على استشراف المستقبل. عنوان الكتاب كان من اختيار مشرف الورشة، الأستاذ محمد عبد الله السعيد، آخذًا في الاعتبار محورَ الكتاب الذي هو مفهومَي القراءة والكتابة، بأبعادهما المختلفة، وآليةَ عمل الورشة التي أراه يوجِّهها مشكورًا باقتدار نحو تحقيق الجديد المبتكَر.

لماذا اتكأتم، بالدرجة الأولى، على جدارية رافاييل مدرسة أثينا [1509-1510] في بحثكم الفلسفي والفني في ورشة “السهروردي” وكتابكم الأول الفطم والكتابة؟

إن اللوحة المختارة تُعَد واحدةً من الكنوز الإنسانية التي لا تقدَّر بثمن والتي يكاد لا يختلف اثنان على أهميتها وعلى أهمية العصر الذي رُسِمَتْ فيه والذي هو عصر النهضة. ناهيك أن شخصيات اللوحة فلاسفة ومفكرون لهم بصمات على التطور الإنساني ستبقى للأبد. هذا كله يجعل من اللوحة مادةً خصبةً للتفاعل الثقافي الجاد. وكما أسلفت، فالفكرة المحورية للكتاب هي تلازُم القراءة والكتابة؛ وهي فكرة ظاهرة في جلاء في لوحة مدرسة أثينا. ولقد ناقشتُ هذه النقطة بالتفصيل في الكتاب.

لفترة ما كنت المشرف على برنامج “منتدى المبدعين الجدد” (“منتدى الاثنين” حاليًّا). ثم تلوت تلك الفترة بغيابٍ طويل عن “المنتدى”. فما هي الأسباب؟

كنت ولا أزال عضوًا في “منتدى المبدعين”. أما إقلالي من زيارة المنتديات الثقافية وجمعيات النفع العام فهو نتيجة لمحاولتي أن أتتبَّع الفعل الثقافي الجادَّ أينما كان، لا أن أرتبط بمكان بعينه. أما بالنسبة لإشرافي على برنامج “منتدى المبدعين”، فأنا لم أتسلَّم قط أية مسؤولية “رسمية” للإشراف على المنتدى أو برنامجه، وجميع مساهماتي في الفترة ما بين صيف 2003 وصيف 2004 الذي تمَّ فيه توقيف المنتدى وإعطاؤه اسمًا جديدًا كانت محض تطوُّع.

“منتدى المبدعين” هو كغيره من منتديات الشباب التي، وإن كانت تبشِّر بمستقبل واعد لكويتنا – كويت الخير – إلا أنها تفتقر إلى التنظيم الحقيقي الذي يضمن لها مسيرة طويلة الأمد و”تنمية مستدامة”، مما ينعكس على مستوى الجلسات الذي أجده متذبذبًا. لكني مؤمن بأن الشباب الكويتي الطموح قادر على التغلب على مثل هذه المصاعب وعلى إرساء معايير جديدة مشرِّفة لمستوى الإبداع الجاد، مما يتناسب مع عراقة هذا البلد وتاريخه المشرِّف.

لقراءة النص في “معابر” الضغط على الرابط ادناه:

http://www.maaber.org/issue_may06/literature4.htm